الجهوية|مقال راي
الزيادة فالعلم....لا أحد يعرف أية ذبابة لسعت والي مراكش ووالي فاس لكي يخالفا الإهابة الملكية بعدم نحر أضحية العيد ويقدما على تنظيم طقس مشابه لطقس ذبح الملك للأضحية وتصوير ذلك. وبمجرد ما شاهدت الفيديو الذي تناقله الناس على تطبيق التراسل الفوري قلت في نفسي إن الوالي الذي من المفروض أنه أعطى تعليماته للعمال والباشوات والقياد وأعوان السلطة لكي يراقبوا الأسطح والأزقة وباعة الفحم والجزارين لجعل الناس ينضبطون لقرار الامتناع عن الذبح يأتي في آخر المطاف ويذبح على مرأى ومسمع من الجميع، والكارثة العظمى هي التبرير الذي أعطي لما قام به الواليان وهو أنهما ذبحا نيابة عن سكان مراكش وفاس، وكأن الأضحية التي ذبح الملك نيابة عن شعبه لا يدخل فيها سكان فاس ومراكش. والحال أن الملك عندما ذبح عن شعبه فإنما يكون قد ذبح عن الواليين أيضا بحكم أنهما من رعاياه.
وإذا كان شوراق والي مراكش قد نقل الكبش بعد نحره على متن سيارة فإن الجامعي والي فاس أراد أن يحيي طقسا مخزنيا قديما، بحيث يتم نحر الأضحية ونقلها على ظهر حصان إلى مقر قصر السلطان. سوى أن هذا الاجتهاد لم يكن له ما يبرره في وجود إهابة ملكية بالامتناع عن الذبح.
ومنذ لحظة انتشار المشهد الذي وثّقه الفيديو، وظهر فيه الوالي والإمام وهما يقومان بسنة النحر، أثيرت تساؤلات وانتقادات واسعة، واعتُبر من قبل عدد من المراقبين تجاوزًا لبروتوكول الطاعة والرمزية الدينية التي يمثلها أمير المؤمنين.
كما طرحت هذه الواقعة سؤال الانضباط المؤسساتي أمام التوجيهات العليا، وضرورة التعامل مع التوجيهات الملكية لا فقط كمراسيم، بل كمواقف سيادية ذات بعد ديني وروحي عميق، لا تقبل الاجتهاد الفردي أو التهاون.
والواقع أن ما أقدم عليه الواليان ليس مرده الرغبة في عصيان التوجيهات بل فقط تلك الرغبة التي أصبحت تراود بعض رجال السلطة في تصدر المشهد بتصريحات أو بافتعال حوادث لإثارة الانتباه والإعجاب، أو ما يسمى عند الفقهاء بالزيادة في العلم.
وهنا مناسبة لكي نقول إن رجل السلطة ليس مطلوبا منه أن ينافس المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، رجل السلطة مطلوب منه الصرامة والهيبة واحترام القانون والعمل بعيدا عن الأضواء. من يحتاجون الأضواء هم المنتخبون الذين تنتظرهم صناديق الاقتراع، أما رجال السلطة فهم معينون بظهائر ملكية وليسوا بحاجة إلى بريق الأضواء.
ومع تواتر بعض الحوادث والمشاهد والمواقف التي كان أبطالها رجال سلطة نحتاج أن نطرح سؤالا بسيطا هو: هل هناك «مفهوم جديد للسلطة» أصبح ساريا ولم ننتبه إليه.
نطرح هذا السؤال البريء لأننا بدأنا نلاحظ كيف بدأت تتسلل إلى معجم السلطة مفاهيم وسلوكيات دخيلة ابتدعها بعض رجال السلطة في غفلة من الجميع. وهكذا رأينا كيف دخل مصطلح جديد وهو «تجديد الثقة المولوية»، وذلك عشية تعيين الملك للولاة والعمال الجدد، حيث جرى الاحتفاء في مكناس بما سموه «حفل التثبيت» لعامل المدينة الذي لم يشمله التنقيل أو الإحالة على التقاعد، رغم أنه أقدم عامل في المغرب وقضى أربعين عاما في الداخلية، وفي مكناس وحدها قضى عشر سنوات، وخمس عشرة سنة كعامل في مدن أخرى.
وقد كنا نعرف أنه في عرف الداخلية هناك إما الإعفاء أو التعيين، فإذا بنا نكتشف عرفا جديدا اسمه «التثبيت».
وصرنا نسمع عن العامل الذي أوقف موكبه لكي يستمع لشكاوى المواطنين، وكأن هذا المشهد كفيل لوحده بحل مشاكل الناس عوض الانكباب الفعلي على ذلك.
وفي مكناس دائما وتحديدا سلوان تابعنا كما تابع غيرنا كيف أن عبقرية باشا الباشوية عن فكرة لم يسبقه إليها أحد خلال صلاة العيد، وهي وضع حواجز بين الصف الأول في المصلى حيث يصلي برفقة القياد ورؤساء الملحقات الإدارية وممثلي الجهاز القضائي، وبين الصفوف الأخرى حيث يصلي عامة الشعب. وكأن هؤلاء المسؤولين يخشون الاختلاط مع عامة الناس أو كأنهم يعتبرون أنفسهم أعلى منهم درجة ومكانة ولا يجوز أن يصلوا خلفهم دون حواجز تحفظ مكانة كل واحد منهم. وقد كنا نرى مثل هذه الطبقية في الفضاء العام فقط في حفلات موازين حيث علية القوم يقفون أمام المنصات في دوائر محاطة بالحواجز والحرس على بعد أمتار قليلة من نجومهم المفضلين، فيما بقية القوم يقفون خلفهم. فأحيانا الله حتى رأينا هذه الطبقية تتسلل إلى أماكن العبادة.
ومن البدع التي اخترعها بعض المتملقين من أصحاب جمعيات المجتمع المدني وأصحاب السوابق والمواقع العشوائية بدعة حفلات التكريم التي تقام بمناسبة وبدونها على شرف القياد والباشوات والعمال حيث يتعاقب مجموعة من المنافقين على إلقاء كلمات يعددون فيها مناقب المسؤول المكرم ويرفعون له فيها أكف الدعاء بالنصر والتمكين، مانحين إياه هدايا يتكلف بشرائها منتخبون نصفهم متابع في قضايا الفساد المالي ونصفهم محكوم بالسجن بنفس التهم.
وهناك صنف آخر من رجال السلطة صموا آذانهم عن التوجيه الذي أصدره وزير الداخلية بشأن تجنب تصوير حملات تحرير الملك العمومي عقب واقعة المشادة التي كان بطلها أحد الباشوات في الدار البيضاء فتم إدخاله بسببها إلى الكاراج.
وهكذا أصبح بعض رجال السلطة يأخذون معهم بالإضافة إلى الجرافات مصورين لتوثيق تحريرهم للفضاء العام من الاحتلال غير القانوني، وهم بذلك إنما يقومون في الواقع بتوثيق إهمالهم وتغاضيهم عن تطبيق القانون، إذ لو أنهم طبقوا القانون من الأول لما كان هناك شيء اسمه احتلال الملك العام
والسؤال الذي يجب طرحه بهذا الشأن هو كم كلف هذا التغاضي من أموال ومن استفاد منه. وعليه فما يجب حقا القيام به هو استرجاع الأموال التي تم جنيها من وراء إغماض العين عن تطبيق القانون وردع مخالفيه. أما التسامح مع الفوضى طيلة عشرات السنين ثم الظهور اليوم بمظهر من يحاربها فأمر لا يستقيم، والأنسب أنه إذا تم تدارك هذا التقصير أن يتم دون جلبة إعلامية ودون مصورين أو نقل مباشر، لأن السلطة في الواقع تنقل فضيحة بجلاجل وليس إنجازا.
وها نحن نرى كيف أن تقارير أولية مرفوعة من رجال السلطة وعمال عمالات وأقاليم بجهة الدار البيضاء سطات كشفت عنها عمليات تحرير الملك العمومي وهدم البناء العشوائي الجارية بشأن تورط رؤساء جماعات ومقاطعات في «غدر ضريبي» بالمليارات. فقد كشفت عمليات الهدم عن اختلالات مهمة في تدبير الرسم عن الاحتلال المؤقت للملك العمومي، من خلال عدم أداء مخالفين لهذا الرسم على مدار سنوات طويلة، وعدم استهدافهم بـ«أوامر ضبط وتحصيل» من قبل مصالح الوعاء الجبائي بعد اطلاع لجان تفتيش الداخلية على سجلات الموارد الجبائية عن السنوات الأربع الماضية
وهكذا فالمواطن خاسر في جريمة احتلال الملك العمومي، والرابح الوحيد هم بعض المنتخبين ورجال السلطة الذين جنوا
طوال سنوات غنائم هذه الحرب القذرة.
بقلم الصحفي رشيد نيني
rachidninyinfo@mail.com